كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ هُنَا هُوَ الرِّيَاسَةُ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْمَرْءُوسُ بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهَا أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُوسُ مَقْهُورًا مَسْلُوبَ الْإِرَادَةِ لَا يَعْمَلُ عَمَلًا إِلَّا مَا يُوَجِّهُهُ إِلَيْهِ رَئِيسُهُ، فَإِنَّ كَوْنَ الشَّخْصِ قَيِّمًا عَلَى آخَرَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إِرْشَادِهِ وَالْمُرَاقَبَةِ عَلَيْهِ فِي تَنْفِيذِ مَا يُرْشِدُهُ إِلَيْهِ أَيْ: مُلَاحَظَتُهُ فِي أَعْمَالِهِ وَتَرْبِيَتِهِ، وَمِنْهَا حِفْظُ الْمَنْزِلِ وَعَدَمُ مُفَارَقَتِهِ وَلَوْ لِنَحْوِ زِيَارَةِ أُولِي الْقُرْبَى إِلَّا فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي يَأْذَنُ بِهَا الرَّجُلُ وَيَرْضَى، أَقُولُ: وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ النَّفَقَةِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهَا لِلرَّجُلِ، فَهُوَ يُقَدِّرُ لِلْمَرْأَةِ تَقْدِيرًا إِجْمَالِيًّا يَوْمًا يَوْمًا أَوْ شَهْرًا شَهْرًا أَوْ سَنَةً سَنَةً، وَهِيَ تُنَفِّذُ مَا يُقَدِّرُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَرَى أَنَّهُ يُرْضِيهِ وَيُنَاسِبُهُ حَالُهُ مِنَ السَّعَةِ وَالضِّيقِ.
قَالَ: وَالْمُرَادُ بِتَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ تَفْضِيلُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَلَوْ قَالَ: بِمَا فَضَّلَهُمْ عَلَيْهِنَّ، أَوْ قَالَ: بِتَفْضِيلِهِمْ عَلَيْهِنَّ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ فِيمَا قُلْنَا إِنَّهُ الْمُرَادُ، وَإِنَّمَا الْحِكْمَةُ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ هِيَ عَيْنُ الْحِكْمَةِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [4: 32]، وَهِيَ إِفَادَةُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مِنَ الرَّجُلِ، وَالرَّجُلَ مِنَ الْمَرْأَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْضَاءِ مِنْ بَدَنِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ، فَالرَّجُلُ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ، وَالْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ، (أَقُولُ): يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَبْغِيَ بِفَضْلِ قُوَّتِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتَثْقِلَ فَضْلَهُ وَتَعُدَّهُ خَافِضًا لِقَدْرِهَا، فَإِنَّهُ لَا عَارَ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ كَانَ رَأْسُهُ أَفْضَلَ مِنْ يَدِهِ، وَقَلْبُهُ أَشْرَفَ مِنْ مَعِدَتِهِ مَثَلًا؛ فَإِنَّ تَفَضُّلَ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ عَلَى بَعْضٍ بِجَعْلِ بَعْضِهَا رَئِيسًا دُونَ بَعْضٍ- إِنَّمَا هُوَ لِمَصْلَحَةِ الْبَدَنِ كُلِّهِ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى عُضْوٍ مَا، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ وَتَثْبُتُ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ بِذَلِكَ، كَذَلِكَ مَضَتِ الْحِكْمَةُ فِي فَضْلِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْقُوَّةِ، وَلِلْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ وَالْحِمَايَةِ، ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَتَيَسَّرُ لَهَا بِهِ الْقِيَامُ بِوَظِيفَتِهَا الْفِطْرِيَّةِ وَهِيَ الْحَمْلُ وَالْوِلَادَةُ وَتَرْبِيَةُ الْأَطْفَالِ وَهِيَ آمِنَةٌ فِي سِرْبِهَا، مَكْفِيَّةُ مَا يُهِمُّهَا مِنْ أَمْرِ رِزْقِهَا، وَفِي التَّعْبِيرِ حِكْمَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّفْضِيلَ إِنَّمَا هُوَ لِلْجِنْسِ لَا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الرِّجَالِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ النِّسَاءِ، فَكَمْ مِنِ امْرَأَةٍ تَفْضُلُ زَوْجَهَا فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بَلْ فِي قُوَّةِ الْبِنْيَةِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ، وَلَمْ يُنَبِّهِ الْأُسْتَاذُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى عَلَى ظُهُورِهِ مِنَ الْعِبَارَةِ وَتَصْدِيقِ الْوَاقِعِ لَهُ وَإِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ ضَعْفَهُ، وَبِهَذَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ أَفَادَتْهُمَا الْعِبَارَةُ ظَهَرَ أَنَّهَا فِي نِهَايَةِ الْإِيجَازِ الَّذِي يَصِلُ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ؛ لِأَنَّهَا أَفَادَتْ هَذِهِ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا، وَقَدْ قُلْنَا فِي تَفْسِيرِ: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِنَّ التَّعْبِيرَ يَشْمَلُ مَا يَفْضُلُ بِهِ كُلٌّ مِنَ الْجِنْسِ الْآخَرِ، وَمَا يَفْضُلُ بِهِ أَفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَفْرَادَ جِنْسِهِ وَأَفْرَادَ الْجِنْسِ الْآخَرِ، وَلَا تَأْتِي تِلْكَ الصُّوَرُ كُلُّهَا هُنَا، وَإِنِ اتَّحَدَتِ الْعِبَارَةُ؛ لِأَنَّ السِّيَاقَ هُنَاكَ غَيْرُهُ هُنَا، عَلَى أَنَّنَا أَشَرْنَا ثَمَّةَ إِلَى ضَعْفِ صُورَةِ فَضْلِ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ بِمَا هُوَ خَاصٌّ بِهِنَّ مِنَ الْحَمْلِ، وَالْوِلَادَةِ، وَالرِّجَالُ لَا يَتَمَنَّوْنَ ذَلِكَ، وَنَعُودُ إِلَى كَلَامِ الْأُسْتَاذِ.
قَالَ: وَمَا بِهِ الْفَضْلُ قِسْمَانِ: فِطْرِيٌّ وَكَسْبِيٌّ، فَالْفِطْرِيُّ: هُوَ أَنَّ مِزَاجَ الرَّجُلِ أَقْوَى وَأَكْمَلُ وَأَتَمُّ وَأَجْمَلُ، وَإِنَّكُمْ لَتَجِدُونَ مِنَ الْغَرَابَةِ أَنْ أَقُولَ: إِنَّ الرَّجُلَ أَجْمَلُ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا الْجَمَالُ تَابِعٌ لِتَمَامِ الْخِلْقَةِ وَكَمَالِهَا، وَمَا الْإِنْسَانُ فِي جِسْمِهِ الْحَيِّ إِلَّا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ، فَنِظَامُ الْخِلْقَةِ فِيهَا وَاحِدٌ، وَإِنَّنَا نَرَى ذُكُورَ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ أَكْمَلَ وَأَجْمَلَ مِنْ إِنَاثِهَا، كَمَا تَرَوْنَ فِي الدِّيكِ وَالدَّجَاجَةِ، وَالْكَبْشِ وَالنَّعْجَةِ، وَالْأَسَدِ وَاللَّبُؤَةِ، وَمِنْ كَمَالِ خِلْقَةِ الرِّجَالِ وَجَمَالِهَا شَعْرُ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبَيْنِ، وَلِذَلِكَ يُعَدُّ الْأَجْرَدُ نَاقِصَ الْخِلْقَةِ، وَيَتَمَنَّى لَوْ يَجِدُ دَوَاءً يُنْبِتُ الشَّعْرَ وَإِنْ كَانَ مِمَّنِ اعْتَادُوا حَلْقَ اللِّحَى، وَيَتْبَعُ قُوَّةَ الْمِزَاجِ وَكَمَالَ الْخِلْقَةِ قُوَّةُ الْعَقْلِ، وَصِحَّةُ النَّظَرِ فِي مَبَادِئِ الْأُمُورِ وَغَايَاتِهَا، وَمِنْ أَمْثَالِ الْأَطِبَّاءِ: الْعَقْلُ السَّلِيمُ فِي الْجِسْمِ السَّلِيمِ.
وَيَتْبَعُ ذَلِكَ الْكَمَالُ فِي الْأَعْمَالِ الْكَسْبِيَّةِ، فَالرِّجَالُ أَقْدَرُ عَلَى الْكَسْبِ وَالِاخْتِرَاعِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ؛ أَيْ: فَلِأَجْلِ هَذَا كَانُوا هُمُ الْمُكَلَّفِينَ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى النِّسَاءِ، وَأَنْ يَحْمُوهُنَّ وَيَقُومُوا بِأَمْرِ الرِّيَاسَةِ الْعَامَّةِ فِي مُجْتَمَعِ الْعَشِيرَةِ الَّتِي يَضُمُّهَا الْمَنْزِلُ؛ إِذْ لابد فِي كُلِّ مُجْتَمَعٍ مِنْ رَئِيسٍ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تَوْحِيدِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، انْتَهَى بِزِيَادَةٍ وَإِيضَاحٍ.
أَقُولُ: وَيَتْبَعُ هَذِهِ الرِّيَاسَةَ جَعْلُ عُقْدَةِ النِّكَاحِ فِي أَيْدِي الرِّجَالِ هُمُ الَّذِينَ يُبْرِمُونَهَا بِرِضَا النِّسَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَحُلُّونَهَا بِالطَّلَاقِ، وَأَوَّلُ مَا يَذْكُرُهُ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ الْمَعْرُوفِينَ فِي هَذَا التَّفْضِيلِ النُّبُوَّةُ وَالْإِمَامَةُ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى، وَإِقَامَةُ الشَّعَائِرِ كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْخُطْبَةِ فِي الْجُمْعَةِ، وَغَيْرِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْمَزَايَا تَابِعَةٌ لِكَمَالِ اسْتِعْدَادِ الرِّجَالِ، وَعَدَمِ الشَّاغِلِ لَهُمَا عَنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ، عَلَى مَا فِي النُّبُوَّةِ مِنَ الِاصْطِفَاءِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَلَكِنْ لَيْسَتْ هِيَ أَسْبَابَ قِيَامِ الرِّجَالِ عَلَى شُئُونِ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ هُوَ مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِبَاءِ السَّبَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ اخْتِصَاصٌ لَا يُبْنَى عَلَيْهَا مِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُبْنَى عَلَيْهَا أَنَّ كَلَّ رَجُلٍ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا رِجَالًا، وَأَمَّا الْإِمَامَةُ وَالْخُطْبَةُ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا ذَكَرُوهُ؛ فَإِنَّمَا كَانَ لِلرِّجَالِ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ، فَلَا يَقْتَضِي أَنْ يُمَيِّزُوا بِكُلِّ حُكْمٍ، وَلَوْ جَعَلَ الشَّرْعُ لِلنِّسَاءِ أَنْ يَخْطُبْنَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ، وَيُؤَذِّنَّ وَيُقِمْنَ الصَّلَاةَ لَمَا كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا أَنْ يَكُونَ مِنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونَ الرِّجَالُ قَوَّامِينَ عَلَيْهِنَّ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ يَغْفُلُونَ عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى سُنَنِ الْفِطْرَةِ فِي تَعْلِيلِ حِكْمَةِ أَحْكَامِ دِينِ الْفِطْرَةِ، وَيَلْتَمِسُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ أَحْكَامٍ أُخْرَى.
قَالَ تَعَالَى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ} هَذَا تَفْصِيلٌ لِحَالِ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الْمَنْزِلِيَّةِ الَّتِي تَكُونُ الْمَرْأَةُ فِيهَا تَحْتَ رِيَاسَةِ الرَّجُلِ، ذُكِرَ أَنَّهُنَّ فِيهَا قِسْمَانِ: صَالِحَاتٌ وَغَيْرُ صَالِحَاتٍ، وَأَنَّ مِنْ صِفَةِ الصَّالِحَاتِ الْقُنُوتَ، وَهُوَ السُّكُونُ وَالطَّاعَةُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا لِأَزْوَاجِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَحِفْظِ الْغَيْبِ.
قَالَ الثَّوْرِيُّ وَقَتَادَةُ: حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ يَحْفَظْنَ فِي غَيْبَةِ الْأَزْوَاجِ مَا يَجِبُ حِفْظُهُ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ النِّسَاءِ الَّتِي إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي مَالِكَ وَنَفْسِهَا وَقَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَةَ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْغَيْبُ هُنَا هُوَ مَا يُسْتَحْيَا مِنْ إِظْهَارِهِ، أَيْ: حَافِظَاتٌ لِكُلِّ مَا هُوَ خَاصٌّ بِأُمُورِ الزَّوْجِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِالزَّوْجَيْنِ، فَلَا يَطَّلِعُ أَحَدٌ مِنْهُنَّ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا هُوَ خَاصٌّ بِالزَّوْجِ.
أَقُولُ: وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ هَذَا وُجُوبُ كِتْمَانِ مَا يَكُونُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ فِي الْخَلْوَةِ، وَلاسيما حَدِيثُ الرَّفَثِ، فَمَا بَالُكَ بِحِفْظِ الْعِرْضِ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ هِيَ أَبْلَغُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ دَقَائِقِ كِنَايَاتِ النَّزَاهَةِ، تَقْرَؤُهَا خَرَائِدُ الْعَذَارَى جَهْرًا، وَيَفْهَمْنَ مَا تُومِئُ إِلَيْهِ مِمَّا يَكُونُ سِرًّا، وَهُنَّ عَلَى بُعْدٍ مِنْ خَطَرَاتِ الْخَجَلِ أَنْ تَمَسَّ وِجْدَانَهُنَّ الرَّقِيقَ بِأَطْرَافِ أَنَامِلِهَا، فَلِقُلُوبِهِنَّ الْأَمَانُ مِنْ تِلْكَ الْخَلَجَاتِ الَّتِي تَدْفَعُ الدَّمَ إِلَى الْوَجَنَاتِ، نَاهِيكَ بِوَصْلِ حِفْظِ الْغَيْبِ.
بِمَا حَفِظَ اللهُ فَالِانْتِقَالُ السَّرِيعُ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ الْغَيْبِ الْخَفِيِّ إِلَى ذِكْرِ اللهِ الْجَلِيِّ، يَصْرِفُ النَّفْسَ عَنِ التَّمَادِي فِي التَّفَكُّرِ فِيمَا يَكُونُ وَرَاءَ الْأَسْتَارِ مِنْ تِلْكَ الْخَفَايَا وَالْأَسْرَارِ، وَتَشْغَلُهَا بِمُرَاقَبَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفَسَّرُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {بِمَا حَفِظَ اللهُ} بِمَا حَفِظَهُ لَهُنَّ فِي مُهُورِهِنَّ وَإِيجَابِ النَّفَقَةِ لَهُنَّ، يُرِيدُونَ أَنَّهُنَّ تَحْفَظْنَ حَقَّ الرِّجَالِ فِي غَيْبَتِهِمْ جَزَاءَ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ الْمَحْفُوظَيْنِ لَهُنَّ فِي حُكْمِ اللهِ تَعَالَى، وَمَا أَرَاكَ إِلَّا ذَاهِبًا مَعِي إِلَى وَهَنِ هَذَا الْقَوْلِ وَهُزَالِهِ، وَتَكْرِيمِ أُولَئِكَ الصَّالِحَاتِ بِشَهَادَةِ اللهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ حِفْظُهُنَّ لِذَلِكَ الْغَيْبِ مِنْ يَدٍ تَلْمَسُ، أَوْ عَيْنٍ تُبْصِرُ، أَوْ أُذُنٍ تَسْتَرِقُ السَّمْعَ، مُعَلَّلًا بِدَرَاهِمَ قُبِضْنَ، وَلُقَيْمَاتٍ يُرْتَقَبْنَ، وَلَعَلَّكَ بَعْدَ أَنْ تَمُجَّ هَذَا الْقَوْلَ يَقْبَلُ ذَوْقُكَ مَا قَبِلَهُ ذَوْقِي وَهُوَ أَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ: {بِمَا حَفِظَ اللهُ} هِيَ صِنْوُ بَاءِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} بِحِفْظِ اللهِ أَيْ: بِالْحِفْظِ الَّذِي يُؤْتِيهِنَّ اللهُ إِيَّاهُ بِصَلَاحِهِنَّ؛ فَإِنَّ الصَّالِحَةَ يَكُونُ لَهَا مِنْ مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى وَتَقْوَاهُ مَا يَجْعَلُهَا مَحْفُوظَةً مِنَ الْخِيَانَةِ، قَوِيَّةً عَلَى حِفْظِ الْأَمَانَةِ، أَوْ حَافِظَاتٌ لَهُ بِسَبَبِ أَمْرِ اللهِ بِحِفْظِهِ، فَهُنَّ يُطِعْنَهُ وَيَعْصِينَ الْهَوَى، فَعَسَى أَنْ يَصِلَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى نِسَاءِ عَصْرِنَا اللَّوَاتِي يَتَفَكَّهْنَ بِإِفْشَاءِ أَسْرَارِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَا يَحْفَظْنَ الْغَيْبَ فِيهَا.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ هَذَا الْقِسْمَ مِنَ النِّسَاءِ لَيْسَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ شَيْءٌ مِنْ سُلْطَانِ التَّأْدِيبِ، وَإِنَّمَا سُلْطَانُهُمْ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي الَّذِي بَيَّنَهُ، وَبَيَّنَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} النُّشُوزُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الِارْتِفَاعِ، فَالْمَرْأَةُ الَّتِي تَخْرُجُ عَنْ حُقُوقِ الرَّجُلِ قَدْ تَرَفَّعَتْ عَلَيْهِ وَحَاوَلَتْ أَنْ تَكُونَ فَوْقَ رَئِيسِهَا، بَلْ تَرَفَّعَتْ أَيْضًا عَنْ طَبِيعَتِهَا، وَمَا يَقْتَضِيهِ نِظَامُ الْفِطْرَةِ فِي التَّعَامُلِ، فَتَكُونُ كَالنَّاشِزِ مِنَ الْأَرْضِ الَّذِي خَرَجَ عَنِ الِاسْتِوَاءِ، وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ خَوْفَ النُّشُوزِ بِتَوَقُّعِهِ فَقَطْ، وَبَعْضُهُمْ بِالْعِلْمِ بِهِ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لِمَ تَرَكَ لَفْظَ الْعِلْمِ، وَاسْتَبْدَلَ بِهِ لَفْظَ الْخَوْفِ؟ أَوْ لِمَ لَمْ يَقُلْ: وَاللَّاتِي يَنْشُزْنَ؟ لَا جَرَمَ أَنَّ فِي تَعْبِيرِ الْقُرْآنِ حِكْمَةً لَطِيفَةً، وَهِيَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ يُحِبُّ أَنْ تَكُونَ الْمَعِيشَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَعِيشَةَ مَحَبَّةٍ وَمَوَدَّةٍ وَتَرَاضٍ وَالْتِئَامٍ لَمْ يَشَأْ أَنْ يُسْنِدَ النُّشُوزَ إِلَى النِّسَاءِ إِسْنَادًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقَعَ مِنْهُنَّ فِعْلًا، بَلْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ تُومِئُ إِلَى أَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَلَّا يَقَعَ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ نِظَامُ الْفِطْرَةِ، وَتَطِيبُ بِهِ الْمَعِيشَةُ، فَفِي هَذَا التَّعْبِيرِ تَنْبِيهٌ لَطِيفٌ إِلَى مَكَانَةِ الْمَرْأَةِ، وَمَا هُوَ الْأَوْلَى فِي شَأْنِهَا، وَإِلَى مَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنَ السِّيَاسَةِ لَهَا وَحُسْنِ التَّلَطُّفِ فِي مُعَامَلَتِهَا، حَتَّى إِذَا آنَسَ مِنْهَا مَا يَخْشَى أَنْ يُؤَوَّلَ إِلَى التَّرَفُّعِ وَعَدَمِ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، فَعَلَيْهِ أَوَّلًا أَنْ يَبْدَأَ بِالْوَعْظِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهَا، وَالْوَعْظُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَرْأَةِ، فَمِنْهُنَّ مَنْ يُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهَا التَّخْوِيفُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِقَابِهِ عَلَى النُّشُوزِ، وَمِنْهُنَّ مَنْ يُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهَا التَّهْدِيدُ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ فِي الدُّنْيَا، كَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَالْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ الرَّغَائِبِ كَالثِّيَابِ الْحَسَنَةِ وَالْحُلِيِّ، وَالرَّجُلُ الْعَاقِلُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْوَعْظُ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي قَلْبِ أَمْرَأَتِهِ، وَأَمَّا الْهَجْرُ: فَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ التَّأْدِيبِ لِمَنْ تُحِبُّ زَوْجَهَا وَيَشُقُّ عَلَيْهَا هَجْرُهُ إِيَّاهَا، وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَمِنْهُمُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَنْشُزُ لَا تُبَالِي بِهَجْرِ زَوْجِهَا بِمَعْنَى إِعْرَاضِهِ عَنْهَا، وَقَالُوا: إِنَّ مَعْنَى وَاهْجُرُوهُنَّ قَيِّدُوهُنَّ مِنْ هَجْرِ الْبَعِيرِ إِذَا شَدَّهُ بِالْهِجَارِ وَهُوَ الْقَيْدُ الَّذِي يُقَيَّدُ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ بِشَيْءٍ، وَمَا هُمْ بِالْوَاقِفِينَ عَلَى أَخْلَاقِ النِّسَاءِ وَطِبَاعِهِنَّ؛ فَإِنَّ مِنْهُنَّ مَنْ تُحِبُّ زَوْجَهَا وَيُزَيِّنُ لَهَا الطَّيْشُ وَالرُّعُونَةُ النُّشُوزَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُنَّ مَنْ تَنْشُزُ امْتِحَانًا لِزَوْجِهَا لِيَظْهَرَ لَهَا أَوْ لِلنَّاسِ مِقْدَارُ شَغَفِهِ بِهَا وَحِرْصِهِ عَلَى رِضَاهَا، أَقُولُ: وَمِنْهُنَّ مَنْ تَنْشُزُ لِتَحْمِلَ زَوْجَهَا عَلَى إِرْضَائِهَا بِمَا تَطْلُبُ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ يُغْرِيهَا أَهْلُهَا بِالنُّشُوزِ لِمَآرِبَ لَهُمْ.
وَلَمْ يَتَكَلَّمِ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ عَنِ الْهَجْرِ فِي الْمَضَاجِعِ؛ لِأَنَّهُ بَدِيهِيٌّ، وَكَمْ تَخَبَّطَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ الْبَدِيهِيَّاتِ الَّتِي يَفْهَمُهَا الْأُمِّيُّونَ؛ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ لِأَيِّ عَامِّيٍّ: إِنَّ فُلَانًا يَهْجُرُ امْرَأَتَهُ فِي الْمَضْجَعِ أَوْ فِي مَحَلِّ الِاضْطِجَاعِ، أَوْ فِي الْمَرْقَدِ أَوْ مَحِلِّ النَّوْمِ فَإِنَّهُ يَفْهَمُ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُفَسِّرِينَ رَأَوُا الْعِبَارَةَ مَحَلًّا لِاخْتِلَافِ أَفْهَامِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِمَا يُرَادُ مِنَ الْكِنَايَةِ، وَأَخَلَّ بِمَا قَصَدَ فِي الْكِتَابَةِ مِنَ النَّزَاهَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَعْنَى اهْجُرُوا حُجَرَهُنَّ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ مَبِيتِهِنَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ اهْجُرُوهُنَّ بِسَبَبِ الْمَضَاجِعِ أَيْ: بِسَبَبِ عِصْيَانِهِنَّ إِيَّاكُمْ فِيهَا، وَهَذَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى النُّشُوزِ، فَمَا مَعْنَى جَعْلِهِ هُوَ الْمُرَادَ بِالْعِقَابِ؟ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ فَسَّرَ الْهَجْرَ بِالتَّقْيِيدِ بِالْهِجَارِ: قَيِّدُوهُنَّ لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ عَلَى مَا تَمَنَّعْنَ عَنْهُ، وَسَمَّى الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ بِتَفْسِيرِ الثُّقَلَاءِ، وَالْمَعْنَى الصَّحِيحُ هُوَ مَا تَبَادَرَ إِلَى فَهْمِكَ أَيُّهَا الْقَارِئُ وَمَا يَتَبَادَرُ إِلَى فَهْمِ كُلِّ مَنْ يَعْرِفُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنَ اللُّغَةِ، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: الْعِبَارَةُ تَدُلُّ بِمَفْهُومِهَا عَلَى مَنْعِ مَا جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مَعْنًى لَهَا فَهُوَ يَقُولُ: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا بِهَجْرِ الْمَضْجَعِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْفِرَاشُ، وَلَا بِهَجْرِ الْحُجْرَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الِاضْطِجَاعُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِهَجْرٍ فِي الْفِرَاشِ نَفْسِهِ، وَتَعَمُّدُ هَجْرِ الْفِرَاشِ أَوِ الْحُجْرَةِ زِيَادَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ لَمْ يَأْذَنْ بِهَا اللهُ تَعَالَى، وَرُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْجَفْوَةِ، وَفِي الْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ نَفْسِهِ مَعْنًى لَا يَتَحَقَّقُ بِهَجْرِ الْمَضْجَعِ، أَوِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي الْمَضْجَعِ هُوَ الَّذِي يُهَيِّجُ شُعُورَ الزَّوْجِيَّةِ، فَتَسْكُنُ نَفْسُ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الْآخَرِ وَيَزُولُ اضْطِرَابُهُمَا الَّذِي أَثَارَتْهُ الْحَوَادِثُ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا هَجَرَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَأَعْرَضَ عَنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ رُجِيَ أَنْ يَدْعُوَهَا ذَلِكَ الشُّعُورُ وَالسُّكُونُ النَّفْسِيُّ إِلَى سُؤَالِهِ عَنِ السَّبَبِ، وَيَهْبِطُ بِهَا مِنْ نَشَزِ الْمُخَالَفَةِ إِلَى صَفْصَفِ الْمُوَافَقَةِ، وَكَأَنِّي بِالْقَارِئِ وَقَدْ جَزَمَ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِي لَمْ يَرَهُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَمْوَاتِ وَلَا الْأَحْيَاءِ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ فَاشْتَرَطُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّبْرِيحُ الْإِيذَاءُ الشَّدِيدُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ تَفْسِيرُهُ بِالضَّرْبِ بِالسِّوَاكِ وَنَحْوِهِ، أَيْ: كَالضَّرْبِ بِالْيَدِ أَوْ بِقَصَبَةٍ صَغِيرَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُقَاتِلٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَمْرٍو وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ وَفِي امْرَأَتِهِ حَبِيبَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ فَلَطَمَهَا فَانْطَلَقَ أَبُوهَا مَعَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَفْرَشْتُهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لِتَقْتَصَّ مِنْ زَوْجِهَا»، فَانْصَرَفَتْ مَعَ أَبِيهَا لِتَقْتَصَّ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعُوا، هَذَا جِبْرَائِيلُ أَتَانِي وَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَتَلَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: أَرَدْنَا أَمْرًا، وَأَرَادَ اللهُ أَمْرًا، وَالَّذِي أَرَادَهُ اللهُ تَعَالَى خَيْرٌ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَامْرَأَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي غَيْرِ مَنْ ذُكِرَ.